يستذكر الكرد، وأهالي مدينة قامشلو بشكل خاص، في يوم 27 يوليو من كلّ عام ،الذكرى المؤلمة لمجزرة تفجير قامشلو، الذي وقع في الحي الغربي، وراح ضحيته أكثر من 64 شهيداً وخلف عشرات الجرحى، بين طفل وشيخ وشاب وامرأة.
وتعرّض الحي الغربي بقامشلو في صباح 27 يوليو 2016، لعمل إرهابيّ بشع، حيث انفجرت شاحنة للماشية محملة بالمواد المتفجرة، والذي ادى الى تدمير أبنية ومنازل ومحلات في محيط منطقة التفجير، لتتحول تلك المنطقة الى أطلال لم يبقى منها سوى الحجارة ورائحة الموت.
الحيّ الغربي بقامشلو هو حيّ يضجّ بالحياة وكثرة المحال التجارية وحركة الناس المستمرة، وفي صباح ذلك اليوم المظلم تحوّل كل ذلك الى رماد ودمر كل شيء.
وبعد ساعات من التفجير، تبنّى تنظيم داعش الإرهابي التفجير عبر موقعه الرسمي وكالة “أعماق” التابعة له، وأعلن مسؤوليته عنها.
تكوشين هي فتاة كرديّة من سكّان الحي، وهي عضو في مؤسّسة مدنيّة، نالت نصيبها من ذاك الحقد الاسود، تحدثت لوكالة فرات للأنباء ANF عن اللحظات التي عاشتها جرّاء ذاك العمل الارهابي حيث كانت متواجدة في الحي الغربي وهي تخضع الآن للعلاج خارج روجافا نتيجة تعرضها للإصابة.
وتقول تكوشين: "بداية، استطيع القول إنّها المرة الاولى التي أتحدث فيها عن التفجير الإرهابي، لأنّ الموضوع له طابع كبير بالنسبة لي, إذ أنّ من عاش تلك اللحظات ليس كمن من سمع بها أو شاهدها من بعيد.
قبل وقوع التفجير الإرهابي، كنت في مزار الشهداء (دليل صاروخان) ومن ثمّ توجهت إلى الحيّ الغربي وامضيت ليلة هناك. كان المكان قريب من موقع المجزرة وفي صباح اليوم التالي، وفي حوالي الساعة التاسعة خرجت وكلنا امل بان نبدء يوماً جديداً، التقي فيه بعدد من الأصدقاء. قمت بإلقاء التحية على عدد من رفاق قوى الأمن الداخلي في مركزهم الواقع بالقرب من مكان التفجير وتبادلت أطراف الحديث معهم بعض الوقت ومن ثم توجهت إلى الجانب الآخر من الشارع، وفجاة وقع الانفجار",
وتابعت: "كنت على موعد مع أحد الرفاق وزيارة عدد من عوائل الشهداء، لكنّ الانفجار حال دون ذلك ولم استطع اللقاء به. عندما أتذكر تلك اللحظات، قد لا أتمكّن من خلال الكلام من وصف ما حدث بكل تفاصيله، لكنّ تلك المشاهد لاتزال حيّة أمام أنظاري وماثلة في مخيلتي.
أغلب المحلات كانت مغلقة لأن الساعه كانت بحدود التاسعة صباحا كان الوقت في بداية الصباح وكان الناس يبدؤون صباحهم بمعنويات عالية ومنهم من كان يفتح محلاته وهنالك من كان يمشي متوجها الى عمله، ذاك الشارع يعتبر من الشوارع المتزدحمة ويعتبر شارع استراتيجي حيث يقع على شارع عامودا وسوق قامشلو كان يوم رائع ومحملا بالمعنويات العالية بالنسبة لما كنت اشاهده في اعين المارة حيث كاد المكان ان يمتلئ بالعمال البسطاء الذي يعملون لكسب قوتهم اليومي كان هنالك جامع في ذاك الشارع اسمه جامع قاسملو كان يقف امام الجامع رجل وبرفقته عربته الجوالة وكانت محملة بالطماطم(البندورة) وكان يقوم بتنظيف تلك الطماطم بقطعة قماش واحدة تلو الاخرى وهو يصيح كي يجلب الناس والمارة كي يشترو من عنده،كان صوته مليئ بالحنان والعشق بهدف الحصول على رزقه كان ذاك المشهد ملفتا بالنسبة لي حينها وكنت اشاهده بكل سرور.
عندما وقع التفجير الإرهابي، قذفتني قوة الانفجار بعيداً، كانت ردة فعلي قوية لدرجة انني حاولت النهوض لاكون شاهدة على كل مايحدث هناك وكي احاول انقاذ الجرحى والمصابين عندما قذفني التفجير باتجاه احد بوابات المحلات التجارية سقط الباب فوقي لكنني سحبت قدمي بسرعه ولو تاخرت قليلا في سحبها لكانت قد قطعت.
حلّ السواد فجاة في مكان الانفجار وكانه حل الليل فجاة بعد ذاك الصباح الجميل والمشرق الذي شاهدته قبل وقوع ذاك التفجير كانت اشلاء البشر والحجارة منتشرة في كل مكان وكانت تتساقط فوقي حاولت الوقوف مرارا احسست بثقل في جسدي لكنني قاومت وتوجهت فورا الى ذاك البائع بائع الطماطم لكنني وجدت جسده مفصول الراس واليد والارجل وكان ينزف بشدة كانت عربته وطماطمه منتشرة في ارجاء الشارع فتوجهت مسرعه الى المكان الذي قذفني اليه الانفجار وجلست هناك ووضعت يداي فوق راسي وانا اراقب مايحدث من حولي لم يكن هنالك من احياء من حولي كنت انا وحيدة هناك مرة اخرى حاولت الوقوف كي اتوجه الى مكان يوجد به بشر احياء وجرحى وفجاة حدث انفجار اخر كان هنالك صهريج للوقود بالقرب من ذاك المكان والذي انفجر فيما بعد نتيجة التفجير الاول والذي ادى الى تفجير كل الاليات ومولدات الطاقه الكهربائية هناك.
بعد اشتعال النيران في كل مكان ذهبت وجلست فوق الرصيف وشاهدت محيطي لم اجد سولى الاشلاء والجرحى سمعت صوت اخر مثل اصوات الرصاص ظننت لوهلة بان من قام بالتفجير جاؤوا ليقتلو من تبقى من الجرحى وتذكرت مجزرة كوباني وقرية برخ بوطان ثم سمعت صوت اشخاص تبين فيما بعد انهم من قوات الاسايش والاهالي عندها نهضت وساعدتهم في البحث عن ناجين وساعدت الجرحى كانت هنالك سيدة كانت مصابة بشكل كبير قمت بمساعدتها جاءت سيارات الاسعاف وكانت تقوم باجلاء الجرحى كان هنالك محاولات من عدد من الاشخاص لنقلي الى سيارة الاسعاف كنت اتسائل لماذا يحاولون ذلك كنت اهرب من داخل سيارة الاسعاف لانقذ الجرحى واخيرا اخبرني احدهم بانه يجب ان اذهب الى سيارة الاسعاف وانني مصابة بشكل كامل وانزف حينها لم اكن اشعر بالاصابة كانت اجزاء من الشاحنه التي تم تفجيرها مغروزة في ظهري وقدماي وجسدي ذهبت الى المشفى كانت هنالك حالات كثيرة من المصابين وكان المستشفى مزدحما طلبت ان يعالجو اولئك الذين يعانون من جروح خطيرة وطلبت منهم اسعافهم قبلي لقد عمل الكادر الطبي في المشفى بشكل جيد كانت هنالك احدى الشظايا في ظهري قال الطبيب بانهم لن يستطيعو اخراجها الان وذلك بسبب قربها من العمود الفقري ووجود احتمال بان تتمزق الاعصاب فاتصلو بمشفى ديريك حيث توجهت الى هنالك واجريت عملية جراحية فيما بعد لاخراج تلك الشظايا .
عندما قاموا بنقلي الى المشفى من قامشلو الى ديريك كانت المسافة بين المدينتين طويلة جدا بالنسبة لي كنت افكر دائما كيف هي اوضاع من تبقى هناك وكنت اتصل باستمرار كي اطمئن على (بولات) لانني كنت على موعد للقاء به هناك وكنت اتسائل هل ياترى جاء في الموعد ام انه لم ياتي بعد وصولي الى ديريك واجراء عملية جراحية اتصلت مرة اخرى لاطمئن على بولات لكن كان هاتفه خارج الخدمة ايضا فاخبرت المعنيين بان بولات غير موجود منذ وقوع ذاك التفجير وطلبت منهم الذهاب الى مكان التفجير والتاكد هل هو موجود ام لا وهل كان هناك ام لا ،كانو يعلمون بانه استشهد خلال ذاك الانفجار لكن بسبب سوء وضعي الصحي لم يخبرني احد بذلك وبعد مضي يومين وبعد اصرار كبير من قبلي اخبروني بان بولات قد استشهد برفقة الكثير من المدنيين والاطفال والنساء".
وتابعت تكوشين حديثها: "عندما نتحدث عن روجافا ومقاومة روجافا وحتى يومنا هذا كانت مقاومة كبيرة وعظيمة نتسائل لماذا يفعل العدو هكذا بحقنا نرى بان المكان الذي وقع فيه التفجير هو مكان شعبي وكلهم مدنيون والكل يعلم ليست هنالك اية مقرات عسكرية هناك او مقرات امنيه والكل يعلم ان المقرات العسكرية تقع خارج المدينة وليست بين منازل المدنيين لكن يجب ان نعلم بان داعش لايستهدف فقط الاماكن والمقرات العسكرية فالجميع يعلم بأن داعش يعلم جيدا بان المكان الذي استهدفه ليس هدفا عسكريا وهو عبارة عن مكان شعبي وكان هدف داعش بث الرعب في نفوس الاهالي واجبارهم على هجرة منازلهم وجعل المدينة مدينة اشباح".
بعد وقوع تلك المجزرة بعدة دقائق تبنى تنظيم داعش الارهابي العملية من خلال موقعه الالكتروني وذكر في موقعه بان الهدف من التفجير هو قتل اكبر عدد من المدنيين واصابة اكثر من 150 وبالفعل عدد المصابين كان اكثر من 150 والشهداء اكثر من 75 شهيدا وداعش اعترف بانه حقق اهدافه من خلال تلك العملية.
وأضافت تيكوشين: "الكثيرون كانوا يظنون بأن تنظيم داعش هو تنظيم جديد تأسّس على نظام الخلافة، لكنّ ممارساته اثبتت للعالم اجمع أن وجه داعش الخفي هو الدولة التركية وبعد القضاء عليه في الرقة، مركز خلافته المزعومة وبعد مقتل البغدادي، لم يعد ذاك الوجه الحقيقي لداعش مخفياً والذي يمثله اردوغان وحكومة العدالة والتنمية، فالدولة التركية ارادت من خلال داعش ان تسيطر على روجافا وكلنا شاهدنا مقاومة العصر في عفرين تلك المقاومة العظيمة لكننا شاهدنا بعد القضاء على تنظيم داعش كيف اصبحت تركيا مثل الافعى الجريحة وبهذه الوضعيه هاجمت مناطقنا فالمعارك التي نشبت في عفرين كانت معارك طاحنه كانت معارك انتقامية، انتقامهم لداعش لاننا قضينا على داعش ولكن هنالك اليوم مقاومة عظيمة في عفرين وسري كانيه وكري سبيه وهذه المقاومة ستنتصر بكل تاكيد واستطيع القول الداعشي الاول هو اردوغان وحكومته".
ولاجل ذلك، الانفجار الذي وقع في قامشلو تركيا تتحمل مسؤوليته بالدرجة الاولى لانها المستفيدة الاولى من ذاك التفجير هدف تركيا افراغ المدن الكردية من اهلها وبث الرعب في نفوسهم، ولن تستطيع تركيا تحقيق اهدافها احيانا عندما تحارب فمن الطبيعي ان تكسب الحرب في منطقة ما او تخسرها في منطقة اخرى لكن حتى الان المعركة مستمرة ولم تتوقف متى نقول بان المعركة توقفت عندما ننسى تلك الاحداث المشابهة لتلك التي حدثت في قامشلو وننسى شهدائنا حينها نقول باننا نتجه نهو الفناء لكن نحن مؤمنون وبكل قوة باننا لن ننسى شهدائنا يوما وسيكون النصر حليفنا وحليف شهدائنا".
وأكملت: "من الناحية السياسية والدبلوماسية وفيما يتعلق بتلك المجزرة، كل العالم يعرف بان هذه المجزرة هي الاولى من نوعها في مدن روجافا وسوريا حيث تم من خلال 14 الف طن من المتفجرات المكان الذي تم الانفجار فيه خرجت المياه من الارض ودمر كل شي في محيطه احدث دمار من الناحية المادية والنفسية والمعنوية في ذلك الشارع وفي قلب كل انسان كردي لكن الجهات المعنية من خلال منظمات حقوق الانسان والمؤسسات المدنية التي تعمل لصالح الانسانية بقيت صامته حيال تلك المجزرة تلك المنظمات التي تحمل اسماء براقة لكن الاسم لاينطبق على الفعل لم تقم هذه المنظمات بمساعدة ضحايا تلك المجزرة والمتضررين منها حتى يومنا هذا بقيت صامته والسبب هو المصالح المشتركة بينهم وحتى يومنا هذا لايتكلم احدهم الحقيقه لانه الجميع لديهم اهداف مشتركة فيما يتعلق بقتل الشعوب والصمت حيال ذلك".
كل تلك الاحداث والمشاهد مازلت اشاهدها بشكل يومي ومن خلال كل ثانية ودقيقه لانها لم تكن عملية عادية كانت مجزرة كبيرة مجزرة كان ضحيتها الكثير من الاطفال والنساء والكثير من الشباب في مقتبل العمر الكثير من العائلات كانت نائمه حينما وقع الانفجار وهنالك عائلات كانت تحضر وجبة الافطار الصباحية كانت مجزرة كبيرة من الناحية النفسية كانت له معانى كبيره والذي يكمن من خلال تذكر تلك المشاهد حيث اشلاء اولئك الاطفال والنساء في بلد كان عبارة عن بلد متجدد بشكل يومي يوم بعد يوم كنا نشعر باشياء جديدة وجميلة في تلك المدينة والمتعلقه بالحياة ومنها الامان والاستقرار عندما اتذكر تلك المجزرة او اتحدث عنها اشعر بتلك اللحظات وكانها حدثت الان صوت الانفجار مازال مسموعا بشكل كبير في اذناي الان اشعر به والان المح تلك الغيوم السوداء التي غطت المكان بعد يوم كان مشرقا وجميلا لم تكن غيمة خير غيمة مطر لتبث الحياة في الارض كانت غيمة لقتل الانسان واراقة الدماء تلك الغيمة جلبت كل تلك الاشياء التي ذكرتها، أذا من الناحية النفسية لابد ان يكون له تاثير كبير".
واشارت تيكوشين إلى رحلة علاجها قائلة "جئت للخارج لتلقي العلاج. وعندما قمت بشرح ماحدث في تلك الاثناء للحكومة الالمانية كان يقولون لي تكلمي بدون توقف نود الاستماع اليك مطولا كنت اتحدث عن تلك المجزرة بشكل موسع حتى قام القاضي بوضع قلمه جانبا وقال انا اود الاستماع اليك فقط حينها قلت له الاستماع وحده لايكفي المهم هو ان تشعر بما حدث هناك والاحساس لاياتي بسرعه وبسهولة لكن الذي لم يعش لحظات الالم واحداث مثل تلك لن يشعر بماساة الشعب الكردي عندما قلت ذلك للقاضي تاثر كثيرا، فمن الناحية الانسانيه يستطيع الشخص ان يتاثر لكن كجهات وحكومات لهم مصالح خاصه وليست هناك اية مشكلة لديهم امام مقتل البشر وكم بقى هنالك من يتامى ليس مهم بالنسبة لهم لكن المهم بالنسبة لنا ان يبقى روح الانتقام مشتعل في قلوبنا ونحنا اصحاب حق من خلال مقاومتنا ودماء شهدائنا وانسانيتنا وتضحياتنا".
وختمت تيكوشين حديثها بالقول: "اتوجه بالمواساة والتعازي الى كل ضحايا تلك المجزرة وعوائلهم والجرحى واتمنى لهم الشفاء العاجل ونحن مصممون على تحقيق اهداف اولئك الشهداء فكل منهم كان لديه حلم وهدف ونحن مؤمنون بذلك بشكل كبير".